إضاءات من زيارة الأربعين ٢
إضاءات زيارة الأربعين
(٢)
قاعدة : شعيرة الرعاية الخدمية للزوار
حول المواكب الحسينية في زيارة الأربعين ، وما هي التوصيات الشرعية لإقامتها في الآيات القرآنية والروايات ، بيانا لهذه الحقيقة الدينية ودلائلها إحياء لمعرفة معالم الدين :
١- النور : ٣٦ (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصال) ، وقد ورد في روايات الفريقين أنها بيوت النبي ص ومن أفاضلها بيت علي ع وفاطمة ع ، أي بيوت أهل البيت ع ، أي أن مراقدهم مشاعر إلهية بتشعير من القرآن والسنة النبوية ، ومن ثم عطف على الآية قوله تعالى : النور ٣٧ (رِجالٌ لا تُلْهيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصار) ، وهذا نظير قوله تعالى : المائدة : ٩٧ (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاس) .
٢- قد ورد الأمر المستفيض بالمشي إلى زيارة الحسين ع ، كما قد ورد الأمر بإقامة العزاء على مصائب أهل البيت ع بصورة جماعية .
٣- قد ورد الأمر بالرعاية الخدمية في مواطن من الشعائر العبادية .
٤- نظير قوله تعالى التوبة : ١٩ (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) .
فسقاية الحاج والحجيج خدمة شعائرية يؤصلها القرآن وإقامتها تستلزم إعداد إمكانيات ضخمة ، ومن البين أن شعيرة الحج تستلزم رعاية خدمية ، فالأمر بالحج والعمرة يستلزم الأمر بالرعاية الخدمية للحجيج والمعتمرين .
٥- وكذلك الأمر المتكرر في الحج والعمرة بتقديم الهدي وتوزيعه في مكة والحرم المكي كتموين غذائي للحجيج والمعتمرين ، سواء هدي الحج أو هدي قران الإحرام أو هدي الكفارات لارتكاب تروك الحج ، كقوله تعالى
الحج : ٣٦: (وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون) ، فإطعام الطعام للحجيج والمعتمرين رعاية خدمية فريضة أمر بها القرآن ، وشعيرة من الشعائر الدينية .
البقرة : ١٩٦ : (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَريضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيام) ، وقد جعلت الكفارة في أغلب مخالفات تروك الإحرام التصدق بالشاة وفي بعض الموارد البقر والبدن من الجمال .
٦- وفي الروايات :
الصحیح الأعلائي المقطوع الصدور للصدوق بِأَسَانِيدِهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ وَ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ وَ غَيْرِهِمْ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ تَرَكُوا الْحَجَّ لَكَانَ عَلَى الْوَالِي أَنْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَ عَلَى الْمُقَامِ عِنْدَهُ وَ لَوْ تَرَكُوا زِيَارَةَ النَّبِيِّ ص لَكَانَ عَلَى الْوَالِي أَنْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَ عَلَى الْمُقَامِ عِنْدَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَالٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ .
ومثلها جملة من الروايات التي أفتى بها المشهور الدالة على لزوم الرعاية الخدمية على دولة المسلمين من بيت المال (الخزينة الوطنية) لزوار النبي ص وبيت الله الحرام .
– موثق حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَكَرْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع الْبَيْتَ فَقَالَ لَوْ عَطَّلُوهُ سَنَةً وَاحِدَةً لَمْ يُنَاظَرُوا .
والصحیح عَنْ أَبِي بَصِيرٍ يَعْنِي الْمُرَادِيَّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِماً مَا قَامَتِ الْكَعْبَةُ.) وهو إشارة لجميع الأماكن المقدسة كما مر في الآيات أن إقامتها غير معطلة من قوام الدين .
– الصحیح عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ نَاساً مِنْ هَؤُلَاءِ الْقُصَّاصِ يَقُولُونَ إِذَا حَجَّ الرَّجُلُ حَجَّةً ثُمَّ تَصَدَّقَ وَ وَصَلَ كَانَ خَيْراً لَهُ فَقَالَ كَذَبُوا لَوْ فَعَلَ هَذَا النَّاسُ لَعُطِّلَ هَذَا الْبَيْتُ- إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ جَعَلَ هَذَا الْبَيْتَ قِيَاماً لِلنَّاسِ.
طبخ الطعام لعزاء الحسين ع سنة زين العابدين .
٧- وروى البرقي في المحاسن : ج٢ ص ٤٢٠ : عنه ، عن الحسن بن طريف بن ناصح ، عن أبيه ، عن الحسين بن زيد، عن عمر بن علي بن الحسين، قال : (لما قتل الحسين بن علي (ع) لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح وكن لا يشتكين من حر ولا برد وكان علي بن الحسين (ع) يعمل لهن الطعام للمأتم) .
فالخدمة لمجلس عزاء الحسين ع وإعداد الطعام سنة الإمام زين العابدين ع .
٨- وروى ابن قولويه في كامل الزيارات : حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ الْكُوفِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْخَيْبَرِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: قَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع فِي أَوَّلِ وَلَايَةِ أَبِي جَعْفَرٍ فَنَزَلَ النَّجَفَ فَقَالَ يَا مُوسَى اذْهَبْ إِلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ فَقِفْ عَلَى الطَّرِيقِ فَانْظُرْ فَإِنَّهُ سَيَأْتِيكَ رَجُلٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْقَادِسِيَّةِ فَإِذَا دَنَا مِنْكَ فَقُلْ لَهُ هَاهُنَا رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص يَدْعُوكَ فَسَيَجِيءُ مَعَكَ- قَالَ فَذَهَبْتُ حَتَّى قُمْتُ عَلَى الطَّرِيقِ وَ الْحَرُّ شَدِيدٌ فَلَمْ أَزَلْ قَائِماً حَتَّى كِدْتُ أَعْصِي وَ أَنْصَرِفُ وَ أَدَعُهُ إِذْ نَظَرْتُ إِلَى شَيْءٍ يُقْبِلُ شِبْهَ رَجُلٍ عَلَى بَعِيرٍ فَلَمْ أَزَلْ أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّى دَنَا مِنِّي فَقُلْتُ يَا هَذَا هَاهُنَا رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص يَدْعُوكَ وَ قَدْ وَصَفَكَ لِي قَالَ اذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ قَالَ فَجِئْتُ بِهِ حَتَّى أَنَاخَ بَعِيرَهُ نَاحِيَةً قَرِيباً مِنَ الْخَيْمَةِ فَدَعَا بِهِ فَدَخَلَ الْأَعْرَابِيُّ إِلَيْهِ وَ دَنَوْتُ أَنَا فَصِرْتُ إِلَى بَابِ الْخَيْمَةِ أَسْمَعُ الْكَلَامَ وَ لَا أَرَاهُمْ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع مِنْ أَيْنَ قَدِمْتَ قَالَ مِنْ أَقْصَى الْيَمَنِ قَالَ أَنْتَ مِنْ مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا قَالَ نَعَمْ أَنَا مِنْ مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا قَالَ فَبِمَا جِئْتَ هَاهُنَا قَالَ جِئْتُ زَائِراً لِلْحُسَيْنِ ع فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع فَجِئْتَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لَيْسَ إِلَّا لِلزِّيَارَةِ- قَالَ جِئْتُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَّا أَنْ أُصَلِّيَ عِنْدَهُ وَ أَزُورَهُ فَأُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع وَ مَا تَرَوْنَ فِي زِيَارَتِهِ قَالَ نَرَى فِي زِيَارَتِهِ الْبَرَكَةَ فِي أَنْفُسِنَا وَ أَهَالِينَا وَ أَوْلَادِنَا وَ أَمْوَالِنَا وَ مَعَايِشِنَا وَ قَضَاءَ حَوَائِجِنَا- قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع أَ فَلَا أَزِيدُكَ مِنْ فَضْلِهِ فَضْلًا يَا أَخَا الْيَمَنِ قَالَ زِدْنِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ إِنَّ زِيَارَةَ الْحُسَيْنِ ع تَعْدِل…….) ، ومفاد الرواية ضيافة زائر الحسين ع بالخدمات من الإطعام وغيره .
٩- وروى الطريحي في مجمع البحرين : (وَ فِي حَدِيثِ مُنَاجَاةِ مُوسَى ع وَ قَدْ قَالَ يَا رَبِّ لِمَ فَضَّلْتَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ص عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ؟ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَضَّلْتُهُمْ لِعَشْرِ خِصَالٍ. قَالَ مُوسَى: وَ مَا تِلْكَ الْخِصَالُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا حَتَّى آمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَعْمَلُونَهَا؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الصَّلَاةُ وَ الزَّكَاةُ وَ الصَّوْمُ وَ الْحَجُّ وَ الْجِهَادُ وَ الْجُمُعَةُ وَ الْجَمَاعَةُ وَ الْقُرْآنُ وَ الْعِلْمُ وَ الْعَاشُورَاءُ قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ وَ مَا الْعَاشُورَاءُ ؟ قَالَ : الْبُكَاءُ وَ التَّبَاكِي عَلَى سِبْطِ مُحَمَّدٍ ص وَ الْمَرْثِيَةُ وَ الْعَزَاءُ عَلَى مُصِيبَةِ وُلْدِ الْمُصْطَفَى، يَا مُوسَى مَا مِنْ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِي فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بَكَى أَوْ تَبَاكَى وَ تَعَزَّى عَلَى وُلْدِ الْمُصْطَفَى إِلَّا وَ كَانَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ثَابِتاً فِيهَا، وَ مَا مِنْ عَبْدٍ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ فِي مَحَبَّةِ ابْنِ بِنْتِ نَبِيِّهِ طَعَاماً وَ غَيْرِ ذَلِكَ دِرْهَماً أَوْ دِينَاراً إِلَّا وَ بَارَكْتُ لَهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا الدِّرْهَمَ بِسَبْعِينَ وَ كَانَ مُعَافاً فِي الْجَنَّةِ وَ غَفَرْتُ لَهُ ذُنُوبَه) والإنفاق عام شامل لكل الخدمات وأنماط البذل .