إضاءات من زيارة الأربعين ٣
إضاءات من زيارة الأربعين (٣)
-———————-
(الإعجاز العصري لحضارة المدن الفاضلة لزيارة الأربعين معجزة العصر)
١- إن هناك ظاهرتين إعجازيتين في المشهد الحسيني .
٢- وكلتاهما عامتان زمانا ومكانا شهدهما البشر .
٣- بينما معاجز أكثر الأنبياء محدودة زمانا ومكانا .
٤- كما أن لكل معجزة إلهية رسالة ومغزى ومخاطب وإرشاد .
٥- الأولى من هاتين : هي رمزية الدم العبيط الذي تلون به الكون منذ شهادة الحسين ع ومطرت السماء دما وأنه لم يرفع حجر ولا مدر في البلدان الإسلامية بل في الأرض إلا ورؤي تحته دم عبيط ولم ينشر لباس تحت السماء إلا وأصيب ببقع دم لا تذهب بالغسيل حتى ضج الناس من ذلك وورد في روايات الفريقين أن هذه الظاهرة الكونية استمرت في بعض المدن أربع سنين وفي بعض ثلاثا وفي بعض سنتين وفي بعض سنة وفي بعض أشهر .
٦- والثانية من هاتين والظاهرة الإعجازية هي زيارة الأربعين للملايين منذ ٢٠٠٣ م إلى عامنا هذا ٢٠٢٣ م .
٧- وهذه المعجزة تمتاز عن بقية معاجز الأنبياء أنها بمشاركة إرادة واختيار البشر وهذا ما لم يعهد من المعاجز الإلهية إلا ما جرى على يد سيد الأنبياء كما في واقعة بدر الكبرى ومعركة الخندق والأحزاب .
٨- والإعجاز فيها في تفوق الإدارة والنظم بما يفوق قدرة الدول العظمى فضلا عن دول العالم الثاني والثالث .
٩- وهذا النظم والإدارة ليس في مجال خدمي واحد بل في كل المجالات الأساسية كالمجال التمويني الغذائي والسكني والصحي والأمني والأخلاقي والمروري .
١٠- وأعظم تلك الجوانب المجال الأخلاقي والذي هو ينبوع للنجاحات في بقية الميادين والمجالات إلى أن بلغ ذلك النجاح إلى مرتبة المدينة الفاضلة التي لا تدار بجيش ولا شرطة ولا قضاء ولا كيان أجهزة دولة .
١١- والمدينة الفاضلة هي أعظم معجزة تطلع إلى إقامتها الأنبياء فإن إدارة المجتمع البشري الإنساني وإيصاله الى الكمالات العليا معجزة أعظم من كل المعجزات الحسية التي صدرت على أيدي الأنبياء ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) .
١٢- فإن الهدف الأعظم الأسمى للدين والشريعة هو بلوغ المجتمع إلى المدينة الفاضلة وجل المعجزات للأنبياء لم تقترب في الإرشاد والهداية إلى بلوغ المدينة الفاضلة التي هي حلم الفلاسفة وعلماء الاجتماع والذي لم يتحقق طيلة التاريخ البشري بل الذي تحقق في حضارة زيارة الأربعين مدن فاضلة وصحار فاضلة وهذا ما لم يخطر على ذهن مفكر وفيلسوف كتب حول المدينة الفاضلة .
١٣- إن أي تجمع بشري وما يسمى دولي كالأولمبياد أو الأولمبي أو غيره مما يجتمع فيه مليون واحد من البشر أو نصف ذلك أو نصف يزيد أو ثلاثة أو أربعة ملايين كما في حج بيت الله الحرام أو حج الهندوس في الهند – تديره دول تتعاون وتتكاتف سواء بتوسط خبراء غرف القيادة أو بالإمدادات اللوجستية أو بأجهزة الكوادر ورغم كل ذلك تقع إحصائيات خطيرة من الإخفاقات .
١٤- فالتفوق الإداري والنظمي لملايين زوار الأربعين الذي بدأ من ثلاثة أو خمسة ملايين وتنامى إلى العشرة ملايين ثم إلى العشرين ثم إلى الثلاثين حسب الإحصائيات الشمولية لا النسبية التي تعلنها كل عام بعض الجهات الرسمية تحد راهن لكل الأنظمة العظمى المعاصرة .
١٥- وقد عجزت الكثير من مراكز الدراسات وآلياتها الرصدية المراقبة عن اكتشاف هذا النظام الإداري ومنظومته والمدير المنظم له رغم تتابع دراساتها السنوية الحثيثة والمتعددة لهذه الزيارة المليونية ، ورغم خطورة النتائج التي توصلوا إليها في جملة من إدارة فصول هذا التجمع والاجتماع المتحرك المليوني .
١٦- وبعض تلك النتائج المبهرة التي توصلوا إليها وليس على نحو الاستقصاء الناقص فضلا عن الشامل :
١٧- أن النظم والإدارة الجمعية لكل هذه الحشود المليونية مما يمتنع عقلا وبحسب العلوم العصرية أن يكون صدفة واتفاقا .
١٨- إن خلو هذا الاجتماع البشري المليوني عن الحوادث والأزمات في كل المجالات والميادين مما يمتنع في قدرة البشر الخبراء وقوى التقنية العلمية المتطورة المعاصرة .
١٩- إن التموين الغذائي المجاني لهذه الملايين لمدة ما يقارب أسبوعين أو ثلاثة مما يمتنع على قدرة الأنظمة العظمى اللوجستية والمالية والإدارية ، وهذا مشاهد في موسم الحج رغم تكاتف سبع أو ثمان دول العالم الأول في ادارة غرف خبراء القيادة .
٢٠- إن النظام العالمي الواحد الموحد الذي رفعت شعاره بعض الدول العظمى عجزت عن التنظير له وعن رسم الخطوات التقنية والآلية له فضلا عن إنجازه وعن إقامته في أرض الواقع ، بينما اكتشفت الدراسات العالمية في حضارة زيارة الأربعين أحد هذه الأسس لتوحيد النظام عالميا وذلك الأساس هو تذويب العنصرية والعصبيات البشرية وتهذيب العرقية والقومية والانتماءات القبلية تحت ظل نور الولاء لرب واحد ونبي خاتم وأوصياء بنهج موحد وهذا أحد أسرار تعاظم الفريضة في آية المودة .
٢١- ومن ذلك استنتجت التحليلات في مراكز الدراسات الدولية أن تجمع واجتماع زيارة الأربعين المليونية أجندة للدولة القادمة للإمام المهدي عج .
٢٢- لا يخفى أن حضارة زيارة الأربعين كمدينة بل مدن وصحار فاضلة ليست معجزة جبرية إلجائية بل اختيارية فإن حضارة المدن الفاضلة لزيارة الأربعين لا تخرج عن سنن الله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) وهذا امتياز خاص بمعجزة حضارة المدن الفاضلة لزيارة الأربعين تفترق فيه عن معاجز الأنبياء .
٢٣- إن أعداء الإيمان والإسلام لم يفتأوا يمكرون ويكيدون ويحيكون الفتن وشعللتها وإيجاد العقبات والعراقيل أمام زيارة الأربعين طيلة هذين العقدين الماضيين لما تمثله من منافس يبرز انموذجا متطورا من حضارة المدينة والمدن والبلدان الفاضلة في كل أبعادها يتفوق على ادعاءات دول العالم الصناعي الأول ، ورغم ذلك فإن الأمن والنظم والانتظام حاصل لا يعكر صفوه لا من الداخل – الزوار المشاركين – ولا من الخارج – الأعداء المناوئين – ، وهذا إعجاز متميز .
٢٤- إن تسمية هذه الحضارة للمدن الفاضلة لزيارة الاربعين بالإعجاز الحضاري مستند إلى تقريرات مسربة من مراكز الدراسات الدولية ، تعترف بعجزها عن اكتشاف منظومة نظام الإدارة لزيارة الأربعين .
٢٥- قد يقول قائل ما بال المشاركين في الزيارة يقيمون المدن الفاضلة فترة زيارة الأربعين ولكنهم يعودون لما كانوا عليه بعد انقضاء الزيارة والإجابة أن تحول المشاركين فترة الزيارة لمدة أسبوعين أو ثلاثة إلى أفراد المدينة الفاضلة أي بمثابة الإنسان الملائكي هو تحول حضاري عظيم ومؤشر على عظمة هذه الشعيرة الدينية وعظمة أجواء أهل البيت ع التربوية وإدارتهم للمجتمعات .
٢٦- فإن تحول الإنسان ولو لخمس دقائق إلى إنسان ملائكي عروج لا تحققه إقامة الصلاة طيلة عمر الإنسان .
٢٧- كما أن ذلك يبرهن على عظمة الولاية والمودة لأهل البيت ع على سائر أركان الدين من الصلاة والحج والصوم والزكاة والجهاد وغيرها ، فإننا لا نلاحظ هذا التحول في صيام شهر رمضان كظاهرة عامة اجتماعية وبهذه الدرجة وكذلك في الحج ولا في الإنفاق للضرائب الواجبة أو المستحبة وبعبارة أخرى إن الملاحظ اجتماع كل غايات الأركان ومصالحها مجتمعة في زيارة الأربعين كمظهر هام للولاية لأهل البيت ع ومودتهم .
٢٨- وقد أشار القرآن في آيات سور عديدة إلى تعاظم الهداية بالولاية والمودة لأهل البيت ع على كل فرائض الدين عدا التوحيد والنبوة كما هو مفاد آية المودة من حصر أجر كل الرسالة وتبليغ الدين بالمودة لقربى النبي ص .
٢٩- وكذلك قوله تعالى ( إني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) فالإيمان بالشهادتين وإتيان العمل الصالح من الصلاة والزكاة وغيرهما لا يحقق النجاة من النار إلا أن يقترن ذلك بالهداية لولاية ومودة قربى النبي ص ، كما قال تعالى (إنما انت منذر ولكل قوم هاد) فالإيمان بالتوحيد وبالرسالة من دون الهداية لولاية أهل البيت ع يوظف هذا الإيمان إلى ولاية حكام الجور والظلم وكذلك الصلاة من هداية لولاة العدل ستكون غواية للطواغيت من الحكام .
٣٠- كما أشار القرآن إلى أن إقامة العدالة والقسط على الأرض لم ولن تتحقق إلا بإدارة وتدبير النبي وآل النبي كما في آية الفيء في سورة الحشر – الفيء الذي هو ثروات الأرض – لتوزيعها على الطبقات المحرومة ، وإلا فستبقى ثروات الأرض حكرا على طبقة الأغنياء تتداول فيما بينهم .