إضاءات من زيارة الأربعين ١
إضاءات من زيارة الأربعين (١)
هدف عاشوراء وزيارة الأربعين إقامة الصلاة أم الولاية ؟ .
١- قتل الحسين ع معنويا أعظم من قتله جسديا ، وذلك إذا غيبت وبدلت هوية مبادئ الحسين ع وغايات نهضته .
٢- وفي زيارة عاشوراء : (فَلَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً أَسَّسَتْ أَسَاسَ الظُّلْمِ وَ الْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ لَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقَامِكُمْ وَ أَزَالَتْكُمْ عَنْ مَرَاتِبِكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ اللَّهُ فِيهَا وَ لَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً قَتَلَتْكُمْ- وَ لَعَنَ اللَّهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ [قِتَالِكَ] قِتَالِكُمْ بَرِئْتُ إِلَى اللَّهِ وَ إِلَيْكُمْ مِنْهُم) ، فقدم لعن الدافع لمقاماتهم والمزيل لمراتبهم على لعن قتلة أبدانهم .
٣- قد يقال إن أعظم هدف لعاشوراء إقامة الصلاة ، بلحاظ عدة مؤشرات .
٤- منها إقامته ع الصلاة وسط المعركة ، ومنها قول الإمام زين العابدين ع فيما رواه الطوسي في الأمالي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيَابَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، قَالَ : لَمَّا قَدِمَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) وَ قَدْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا) اسْتَقْبَلَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَ قَالَ: يَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، مَنْ غَلَبَ وَ هُوَ مُغَطًّى رَأْسُهُ، وَ هُوَ فِي الْمَحْمِلِ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ مَنْ غَلَبَ، وَ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَأَذِّنْ ثُمَّ أَقِمْ) .
٥- لکن الملاحظ أن معسكر الطرف الآخر يأتون بصورة الصلاة وشعيرة العبادة ، نعم لكنها صلاة غواية خاوية عن الهداية تدعوهم إلى أنكر المنكرات وهي ولاية الظالمين والفاجرين من بني أمية ، ومنه يتنبه إلى أن العبادات إذا لم تكن مقرونة بالهداية فستكون مزيدا من الغواية والضلال .
٦- قال تعالى : طه : ٨٢ (وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى)
فاشترط سبحانه لقبول وصحة الإيمان واشترط لقبول وصحة الأعمال الهداية والاهتداء ، إذ الغفران هو النجاة من النار وهو يتوقف على صحة الإيمان وصحة الأعمال .
٧- ونظيره قوله تعالى حول حج المشركين للكعبة والمسجد الحرام والذي ورثوه من النبي إبراهيم ع : التوبة : ٢٨ (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ حَكيم) ، فبين تعالى أن حجهم ونسكهم ووقوفهم بالمشاعر وتقديمهم الهدي والقرابين وإن كان على صورة حج ونسك النبي إبراهيم ع ، إلا أن هذه العبادة من المشركين نجس عند الله تعالى لخلوها من ولاية محمد وآل محمد صلوات الله عليه وآله .
٨- ونظيره الأعراف : ٤٠ (إِنَّ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِياطِ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمين) ، فجعل تعالى تكذيب الآيات الناطقة أو الاستكبار عليها أو الصد عنها كما ارتكب ذلك إبليس تجاه آدم سببا لغلق أبواب السماء عن صعود الكلم والإيمان ، فاطر ١٠ (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه) فرغم كون الكلم والقول المعتقد طيبا ورغم كون العمل صالحا إلا أنه لا يصعد إليه تعالى وتغلق عنه أبواب السماء وذلك بسبب التكذيب بحجج الله الناطقين عن الله تعالى أو الاستكبار عليهم أو الصد عنهم ، فلابد لصعود الإيمان بالله ورسوله والعمل الصالح من العبادات وغيرها ، لابد من التصديق بالحجج الناطقين عن الله تعالى ، ومن الخضوع بالطاعة لهم ، ومن الإقبال والإتيان والمجيء لهم وهذه الأمور الثلاثة أركان الولاية للحجج والاهتداء بهم .
٩- والسر والسبب في حبط العبادات من دون الهداية بل وحبط الإيمان بالله من دون الهداية هو أن العبادات من دون ذلك ستوظف وتجيّر إلى تشييد ولاية الطاغوت والطواغيت لا إلى ولاية الله تعالى .
١٠- قال تعالى : (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) ، فجعل تولي طواغيت البشر وولاية حكام الجور تأليها وعبادة لهم ، وأن طاعة الطواغيت تأليه وجعل لهم آلهة من دون الله تعالى وهو مقتضى المقارنة بين كلمة التوحيد لا إله إلا الله وبين فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله .
١١- بينما جعل تعالى الولاية حصرا في قوله تعالى : المائدة : ٥٥ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُون) ، حصر الولایة فیه وفي رسوله وفي علي وصي رسوله وآلهما أهل آية التطهير .
١٢- ومقتضى شرطية الهداية لصحة الإيمان بالله وبرسوله أن الهداية بإمامة أهل البيت ع والشهادة الثالثة شرط صحة الشهادتين وأساس للدين كالشهادتين أي المفتاح والباب للدخول في حظيرة الدين فضلا عن كونها من أصول الدين .
١٣- ومن ذلك يتبين أن من أعظم أهداف شعيرة زيارة الأربعين هي زرع وتنمية حب ومودة أهل البيت ع في قلوب الناس وتربية النفوس عليها ، وهي الهداية لأعظم فريضة في الدين افترضها الله بعد الإيمان به وبرسوله كما هو نص آية المودة .