الاستفتاءات
بصائر عاشورية (٤)
(فشل وإخفاق الأمة بين سوء الإدارة وتردي الصفات)
١- کما أن الإدارة لا تقتصر كوظيفة على القيادة بل كذلك هناك نمط من الإدراة تقوم به الأمة تجاه المسؤوليات العامة وتجاه القيادة ، فإذا قصرت الأمة في ذلك ، يتولد الفساد والإخفاق ، وإذا ضم إلى ذلك عدم تحلي الأمة بالصفات الكفوءة لتحمل تدبير علاج المحنة يزداد الإخفاق والتقهقر .
٢- عمود العصيان سببه الفشل الإداري النظمي في بيئة المعصية (الله الله في نظم أموركم)) نظير خذلان الموالين لسيد الشهداء ع هو انخداعهم الأمني في الحرب النفسية قبال مكر العدو (سَلَلْتُمْ عَلَيْنَا سَيْفاً لَنَا فِي أَيْمَانِكُمْ وَ حَشَشْتُمْ عَلَيْنَا نَاراً اقْتَدَحْنَاهَا عَلَى عَدُوِّنَا وَ عَدُوِّكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ أَلْباً لِأَعْدَائِكُمْ عَلَى أَوْلِيَائِكُمْ بِغَيْرِ عَدْلٍ أَفْشَوْهُ فِيكُمْ وَ لَا أَمَلٍ أَصْبَحَ لَكُمْ فِيهِم)
ونظيره سوء العشرة بين الزوجين في أي مجال لعدم مراعاة نظم التدبير بينهما .
٣- وفي قبال الفشل الإداري الذي يصيب الأمة ، لا بد حينئذ من تحلي أشخاص الإصلاح بصفات تتحمل الأزمات الحاصلة من الإرباك في تدبير الأمور ، (ًأَشْهَدُ أَنَّكَ لَمْ تَهِنْ وَ لَمْ تَنْكُلْ وَ أَنَّكَ مَضَيْتَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِكَ- مُقْتَدِياً بِالصَّالِحِينَ وَ مُتَّبِعاً لِلنَّبِيِّين) و( قَوِيتَ حِينَ ضَعُفَ أَصْحَابُهُ وَ بَرَزْتَ حِينَ اسْتَكَانُوا وَ نَهَضْتَ حِينَ وَهَنُوا وَ لَزِمْتَ مِنْهَاجَ رَسُولِ اللَّهِ ص كُنْتَ خَلِيفَتَهُ حَقّاً لَمْ تُنَازَعْ بِرَغْمِ الْمُنَافِقِينَ وَ غَيْظِ الْكَافِرِينَ وَ كُرْهِ الْحَاسِدِينَ وَ ضَغَنِ الْفَاسِقِينَ فَقُمْتَ بِالْأَمْرِ حِينَ فَشِلُوا وَ نَطَقْتَ حِينَ تَتَعْتَعُوا وَ مَضَيْتَ بِنُورِ اللَّهِ إِذْ وَقَفُوا) .
٤- فالإصلاح يستدعي صفات في المصلحين للتحمل من الصبر وكظم الغيظ والحلم والبصيرة والكياسة والفطنة والحذر والشجاعة والتوكل حتى تنفرج الفرصة ويتبدل فساد إدارة الأمور إلى صلاح ، (اعْتَدَلَ بِكَ الدِّينُ وَ سَهُلَ بِكَ الْعَسِيرُ وَ أُطْفِئَتْ بِكَ النِّيرَانُ وَ قَوِيَ بِكَ الْإِيمَانُ وَ ثَبَتَ بِكَ الْإِسْلَامُ وَ الْمُؤْمِنُونَ سَبَقْتَ سَبْقاً بَعِيداً وَ أَتْعَبْتَ مَنْ بَعْدَكَ تَعَباً شَدِيداً فَجَلَلْتَ عَنِ النَّكَالِ) ، وقد سئل الحسن بن عليّ عليه السلام فقيل له : ما العقل ؟- قال : التجرع للغصة حتّى تنال الفرصة ، وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه سئل ما العقل ؟- فقال : التجرع للغصة و مداهنة الأعداء و مداراة الأصدقاء .
٥- والحقیقة أن الصفات الأخلاقية الفاضلة في الأزمات والمحن عبارة أخرى عن قواعد إدارية للنجاح وليست مجرد هيئات نفسانية نورانية غير مرئية ، فالفشل والإخفاق يرجع الى سوء الإدارة بدءاً واستمراراً وصفات التحمل والبصيرة في معالجة الأمور ترجع إلى نجاح في كيفية تدبير الأزمات ، بينما صفات الرذيلة في المحن والابتلاءات هي مزيد من الإخفاق والتردي ، (فَسُحْقاً لَكُمْ يَا عَبِيدَ الْأُمَّةِ وَ شُذَّاذَ الْأَحْزَابِ وَ نَبَذَةَ الْكِتَابِ وَ مُحَرِّفِي الْكَلِمِ وَ عُصْبَةَ الْآثَامِ وَ نَفَثَةَ الشَّيْطَانِ وَ مُطْفِئِ السُّنَنِ أَ هَؤُلَاءِ تَعْضُدُونَ وَ عَنَّا تَتَخَاذَلُونَ أَجَلْ وَ اللَّهِ غَدْرٌ فِيكُمْ قَدِيمٌ وَشَجَتْ إِلَيْهِ أُصُولُكُمْ وَ تَأَزَّرَتْ عَلَيْهِ فُرُوعُكُمْ فَكُنْتُمْ أَخْبَثَ ثَمَرٍ شَجًا لِلنَّاظِرِ وَ أُكْلَةً لِلْغاصب) .
٦- فالإدارة الناجحة تتطلب التحلي بصفات الفضيلة للقيام بالمسؤولية المطلوبة بالكفاءة المناسبة ، وليست الإدارة مجرد هندسة خطط نظرية بل هي صلابة نفسية معمار ويقظته وبصيرته (فَوَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَكْثُوراً قَطُّ قَدْ قُتِلَ وُلْدُهُ وَ أَهْلُ بَيْتِهِ وَ أَصْحَابُهُ أَرْبَطَ جَأْشاً وَ لَا أَمْضَى جَنَاناً مِنْهُ ع)
( فَحَمَلْتَ أَثْقَالَ مَا عَنْهُ ضَعُفُوا وَ حَفِظْتَ مَا أَضَاعُوا وَ رَعَيْتَ مَا أَهْمَلُوا وَ شَمَّرْتَ إِذَا اجْتَمَعُوا وَ شَهِدْتَ إِذْ جَمَعُوا وَ عَلَوْتَ إِذْ هَلِعُوا وَ صَبَرْتَ إِذْ جَزِعُوا كُنْتَ عَلَى الْكَافِرِينَ عَذَاباً صَبّاً وَ لِلْمُؤْمِنِينَ غَيْثاً وَ خِصْباً لَمْ تُفْلَلْ حُجَّتُكَ وَ لَمْ يَزِغْ قَلْبُكَ وَ لَمْ تَضْعُفْ بَصِيرَتُكَ وَ لَمْ تَجْبُنْ نَفْسُكَ وَ لَمْ تَهِنْ كُنْتَ كَالْجَبَلِ لَا تُحَرِّكُهُ الْعَوَاصِفُ وَ لَا تُزِيلُهُ الْقَوَاصِفُ وَ كُنْتَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص ضَعِيفاً فِي بَدَنِكَ قَوِيّاً فِي أَمْرِ اللَّهِ مُتَوَاضِعاً فِي نَفْسِكَ عَظِيماً عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ كَبِيراً فِي الْأَرْضِ جَلِيلًا عِنْدَ الْمُؤْمِنِين) .
٧- فعند اضطراب النفس في المحن لا بد من التحلي بالصفات المثلى لتقوى النفس على القيام بالتدبير الناجح في حلحلة الأزمات بخلافه الحال مع الصفات الدنيئة فإنه مدعاة لمزيد من الخيبة والخسران .
فليلحظ ما يسرده القرآن عن جملة من خطوب الوقائع كما في المعارك التي خاضها النبي ص حين أخفق جملة من فئات الصحابة والمسلمين نظير الأحزاب وكيفية معالجته للصفات النفسانية الموجبة للإخفاق والفشل النابعة من ضعف البصيرة والمعرفة والإيمان مما يرخي الصفات النفسية إلى الدناءة لا محالة
(إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالاً شَديداً (١١)
وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢) وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَ يَسْتَأْذِنُ فَريقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَ ما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُريدُونَ إِلاَّ فِراراً (١٣)
قُلْ مَنْ ذَا الَّذي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَ لا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصيراً (١٧) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقينَ مِنْكُمْ وَ الْقائِلينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَ لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَليلاً (١٨)
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسيراً (١٩)
لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثيراً (٢١) وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ما زادَهُمْ إِلاَّ إيماناً وَ تَسْليماً (٢٢) .